أدت التطورات التكنولوجية الى انتقال التفاعلات الاجتماعية إلى العالم الافتراضي ولعبت دوراً كبير في تشكيل التغيرات النفسية للأفراد والمجتمعات. كل ما تتطور العالم الافتراضي زاد تأثيراته في البشرية.
لم يكن السودان في جزيرة معزولة عن العالم الافتراضي، في خلال السنوات الأربع الماضية شهدت المجتمعات السودانية تباينًا في المشاعر بين الفرح والتفاؤل العالي الحار، الحزن واليأس والاحباط المنخفض البارد (الالتهابات النفسية). تلك التجارب أثرت الذاكرة الجماعية للمجتمعات السودانية، مما زاد من الخدوش على الجهاز النفسي للمجتمعات.
في فترة الثورة السودانية، لعب العالم الافتراضي دورًا بارزًا في نجاحها، حيث شكلت التفاعلات على منصات التواصل الاجتماعي جزءًا أساسيًا من الحركة الاجتماعية والسياسية. تأتي هذه التفاعلات كنتيجة لتقدم التكنولوجيا وتطور وسائل التواصل، مما أدى إلى زيادة تأثيرها على الأفراد والجماعات.
باستخدام منصات التواصل الاجتماعي، نشأت شخصيات وصفحات افتراضية لها تأثيرها الكبير على المجتمعات السودانية. هذه الشخصيات والصفحات أصبحت وسيلة لنشر الأفكار وتوجيه الرسائل، مما ساهم في تعزيز وتفعيل الحركة الثورية وتوجيه النضال نحو أهدافه المرجوة. هذا مثال للجانب الانفعالي الحار (التفاؤل).
تشهد الساحة السياسية في السودان تحولات مستمرة، من ثورات إلى انقلابات، وزيادة في الحروب والصراعات. يترتب على هذه التغيرات تأثيرات عميقة على المجتمعات والأفراد، مما يزيد من عدم الاستقرار والتوتر في المجتمع. يعاني الأفراد من آثار نفسية سلبية نتيجة لهذه التحولات، مثل القلق والتوتر وفقدان الثقة في المستقبل. وهذا مثال للجانب الانفعالي البارد (الاحباط).
في ساحة التواصل الاجتماعي، أصبحت المصطلحات الخاصة بالفاعلين السودانيين ذات أهمية متزايدة، على سبيل المثال مصطلح "حفلات الشواء الأونلاين". هذه المصطلحات تستخدم لوصف الأفراد والجماعات والأحداث المتعلقة بالساحة الرقمية للتواصل. يُلاحظ أن هذه المصطلحات تُستخدم في سياق تفريغ المحتويات حول الأشخاص الفاعلين، حيث يجد الفاعل نفسه مواجهًا للدفاع والانتقادات في آن واحد، مما يُعرضه لتأثيرات نفسية واجتماعية متنوعة. الشخص المهاجم يواجه تصاعدًا في الانتقادات اللاذعة والتشويه في الرأي العام، مما قد يؤدي إلى تدهور سمعته وتقديره بين المجتمع الرقمي، مما يبرز دور وتأثيرات المصطلحات الرقمية في تشكيل الديناميات الاجتماعية والسياسية عبر المنصات الرقمية.
وتنتقل هذه التأثيرات إلى عالم التواصل الاجتماعي، حيث تستخدم الإيموجيز والقيادة الافتراضية كأدوات للتعبير والتأثير. تعتبر الإيموجيز والرموز التعبيرية وسيلة فعالة للتعبير عن المشاعر والمواقف على مواقع التواصل الاجتماعي، ويمكن أن تؤثر في تشكيل الرأي العام ونقل الرسائل السياسية. عبر استخدام الإيموجيز، يمكن للأفراد التعبير عن تفاعلاتهم مع الأحداث السياسية بشكل سريع وبسيط.
يقترح لوبون أن الأفراد عندما ينضمون إلى جماعة يشكلون "عقلًا جماعيًا" يتحكم في تصرفاتهم وأفكارهم، وهو عقل يختلف عن العقل الفردي.1 تؤثر الصفحات والشخصيات الافتراضية بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تقوم بنشر الرسائل وتشكيل الرأي العام. يمكن لهذه القيادات الافتراضية أن تعمل كمرشدين للأحداث والوقائع، وتشكيل الترند واتجاهات المجتمع يشير لوبون إلى أن الجماهير قد تنشط بشكل أكبر عندما يشعرون بأن هناك زخمًا وراء فكرة أو حركة معينة، مما يزيد من قوة التأثير والتوجيه2. وهنا يتحرك التأثير عبر الموضوعات المختلفة ويذهب علماء الاجتماع على أنه في حالات الهياج الاجتماعي تنشط داخل المجتمعات (العنف – العنصرية – الكراهية - الانحياز)3 من الملاحظ أنه تشهد المجتمعات السودانية في الفترة الأخيرة ظهور انحيازات تجاه المجموعات الضيقة، حيث برزت تعبيرات وكلمات على وسائل التواصل الاجتماعي تعزز من التصنيفات الاجتماعية والسياسية. يسعى الافراد للبحث للانتماء في ظل الصراعات والحروب الاجتماعية وتعمل وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة للبحث عن الانتماء، حيث يلجأ الأفراد إلى الانضمام إلى صفحات افتراضية وشخصيات في العالم الافتراضي بهدف تلبية الاحتياجات النفسية والاجتماعية. يسعى الأفراد في هذا السياق إلى الشعور بالتقارب والتواصل مع الآخرين الذين يشاركونهم نفس الاهتمامات والقيم. يرى لوبون أن الأفراد يبحثون عن الانتماء إلى الجماعات كوسيلة لتلبية احتياجاتهم الاجتماعية، وهو ما يؤثر بشكل كبير على سلوكهم وتصرفاتهم4. وقد صعدت الكثير من الخطابات الكراهية وقد يمكن أن تكون انتشرت عبر التفاعلات مع المقالات والمنشورات، مشاركتها، التعليقات، الضغط على الايموجيز والتعامل معها بشكل غير واعي من خلال اللاوعي الجمعي المتشكل. حيث يُعزز هذا الأسلوب العداء والتمييز بين الأفراد بشكل مباشر أو غير مباشر.
وقد تساهم تفاعلات الايموجيز مع المحتويات التي تبث خطاب الكراهية على صناعة وضعية نفسية للناشرين بتضخم في الانا (Ego) وتعزيز الاتجاهات السلبية لديهم يؤدى الى الشخصية السادية. ومن المشاهد في المحتويات المباشرة أن افرداها يدعون الي التفاعل مع محتوياتهم من خلال مشاركتها ونشرها في اماكن مختلفة بقدر ما لهذا تأثيراتها على المجتمعات والمتلقي هناك تأثيراتها العكسية قد يؤثر عدم تفاعل الجمهور مع منشورات الناشرين الذين يروجون لخطاب الكراهية بشكل سلبي على حالتهم النفسية. يمكن أن يُصاب الناشر بالتوتر والقلق والاكتئاب إذا لم يتلق تفاعلًا إيجابيًا مع محتواه، مما يؤثر على وضعيته النفسية والعاطفية ويزيد من انغلاقه على الآخرين وتعزيز اتجاهاته السلبية.
يقول ميلان كونديرا: الأنظمة المجرمة لم ينشئها أناس مجرمون، وإنما أناس متحمسون ومقتنعون بأنهم وجدوا الطريق الذي يودي إلى الجنة فأخذوا يدافعون ببسالة عن هذا الطريق. ومن أجل هذا قاموا بإعدام الكثيرين، ثم فيما بعد أصبح جليًا وواضحًا أكثر من النهار أن الجنة ليست موجودة، وأن المتحمسين كانوا مجرد سفاحين.5
لا توجد تعليقات