أدى تصاعد التوترات السياسية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل في العام الماضي، لتُضاف إلى تاريخٍ غاصٍّ بالحروب والاضطرابات الاجتماعية في السودان. ومن يتمعّن في التاريخ الحديث يرى أن أحد أهم أسباب تأجيج النزاعات في السودان، لا سيما النزاع الحالي، هو خطاب الكراهية بين مختلف المكونات الاجتماعية.
منذ أن بدأ النزاع المسلح في السودان ما انفكّ خطاب الكراهية يؤجج نيرانها، تارةً بين القبائل المختلفة، وأخرى بين الأديان، وثالثة بين الأنواع، كما يُلاحظ تصاعد خطابات الكراهية ضد النساء في وسائل التواصل الاجتماعي.
ووفقًا للموقع الرسمي للأمم المتحدة، يُعرّف خطاب الكراهية بأنه أي كلام مسيء يستهدف مجموعةً أو فردًا لهم خصائص محددة، مثل الدين أو العرق أو النوع. وتوجد ثلاث سمات محددة لخطاب الكراهية، ويُنقل هذا الخطاب عبر أي شكل من أشكال التعبير، كالصور ومقاطع الفيديو والرسومات الكاريكاتيرية والتدوينات والمنشورات. ويكون خطاب الكراهية متحيزًا ومتعصبًا تجاه فئة محددة، كما يزدري غالبًا العوامل المحدِّدة للهويات، حقيقيةً كانت أو مُتخيّلة.
وإن ألقينا نظرةً فاحصةً على مواقع التواصل الاجتماعي خلال العام السابق، منذ اندلاع الحرب وحتى الآن، في ضوء هذا التعريف المبسط لخطاب الكراهية؛ سنجد أنفسنا مطوقين بخطابات الكراهية من كل جانب، فما لبثت المجموعات المتحاربة –والموالية لها– تبث خطابات سامة على الشبكات الاجتماعية، وتطلق الاتهامات على الأطراف الأخرى، وتهدد المجموعات الأخرى بين الحين والآخر.
لا شك في أن لخطابات الكراهية المنتشرة على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي تأثيرات في النسيج الاجتماعي السوداني، إذ أنها تحرض على العنف وتعمل على تضخيم أحداث معينة، مما يقود إلى تمزيق النسيج الاجتماعي وإبقاء نيران الحرب مشتعلةً لأمد طويل.
وفي بحث أجرته "بيم ريبورتس" في مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديدًا "فيسبوك" و"إكس"، رصدت 500 منشورٍ وتدوينة، وجدت أنها تدعو إلى التعبئة العرقية، عبر بث خطابات كراهية تجاه قبائل ومجموعات إثنيّة محددة، وتنادي بانفصال إقليم دارفور باستخدام أساليب لغوية عنيفة، للإساءة إلى هذه المجموعات، مع اتهام قبائل بعينها بالتسبب في اندلاع الحرب، بالإضافة إلى استعمال تعميمات مخلة، ووصف مجموعات عرقيات كاملة بأنماط سلوكية معينة.
وفي أحد المقاطع المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي سياق المشاجرات الإلكترونية بين رواد الشبكات الاجتماعية، تعلق إحدى المشاركات لشخصٍ ما، بالتشكيك في انتمائه إلى شعب السودان، وتشتمه بأسوأ الألفاظ، فقط لأنه ينتمي إلى مجموعة إثنية معينة.
خالتو إخلاص أب سماعات استلمت بيبي وامه المرة دي وبالدبل كمان https://www.facebook.com/61561667966101/videos/393698540389948/?mibextid=w8EBqM&rdid=ubGlnkFacDkMjohK خالتو إخلاص أب سماعات استلمت بيبي وامه المرة دي وبالدبل كمان. #السودان_مشاهير_تيك_توك #سودانيز_تيك_توك #السودان #القاهرة #مصر #وفاة #الجيش_السوداني... | By Afro SudaneseFacebook | Facebook
خطابات الكراهية تُفاقم أوضاع النساء:
قد يبدو غريبًا للقارئ/ة ارتباط خطابات الكراهية بازدياد أوضاع النساء سوءًا، ولكن خطاب الكراهية، في تعريفه النظري، يمكن أن يُوجّه ضد نوع معين، وهو يُوجّه بالفعل ضد النساء في وسائل التواصل الاجتماعي. وما يجب ذكره هنا هو أن خطاب الكراهية ضد النساء يقوم على أسس موجودة مسبقًا، فالسرديات المُحتقِرة للنساء سائدة في مجتمعاتنا، فيما تضطلع الدولة بدورٍ سلبيٍّ على المستوى الكلي، من خلال التشريعات والقوانين الموجهة ضد النساء، وطرق إنفاذها.
ومع ما تتميز به شبكات التواصل الاجتماعي من قدرةٍ على الوصول إلى فئات اجتماعية واسعة، فهي لا تخلو من سلبيات؛ إذ تعمل على تعزيز الخطابات المعادية والكارهة للنساء في المجتمعات السودانية، وتجد هذه الخطابات فرصة للتطور والنمو في هذه الشبكات من خلال: السخرية من النساء، واحتقار النسويات، والاستهزاء بالأنشطة النسوية، وتشويه سمعة النسويات عبر ربطهن بانعدام الأخلاق والقيم "السودانية"، ورمي النساء بألفاظ بذيئة لمجرد أنهن نساء أو لأنهن ينتمين إلى مناطق جغرافية معينة، بالإضافة إلى التهديد بمختلف أنواعه، بما فيها التهديد بالقتل والاغتصاب. وخطابات الكراهية ضد النساء ليس جديدة على المجتمع السوداني، ولكن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في توسيع نطاقها وخلق اصطفافات مضادة للخطاب الحقوقي النسوي واستقطاب فئات جديدة كانت على الحياد أو لا تملك رأيًا حاسمًا في قضايا النساء.
تُعرف "الميسوجينية" –أو كره النساء– بأنها نمط سلوكي ضد النساء، يتضمن احتقارهن فقط لأنهن نساء. وقد تكون "الميسوجينية" المغذي الرئيس لخطاب الكراهية ضد النساء، فهي تتراوح بين ازدراء النساء والعنف الجنسي ضدهن.
واللافت أن هذه الخطابات الإلكترونية لا تحتاج إلى شجاعة كبيرة لنشرها، فبضغطة زر يمكن إهدار كرامة كثيرٍ من النساء، كما أن وجود المجموعات الإلكترونية والتواصل المستمر فيها يجعل الأمر أكثر سهولة لكارهي النساء لإنشاء مزيدٍ من المنصات وتبادل الآراء والترويج لخطابات الكراهية.
وأشارت كثير من التقارير إلى أن خطابات الكراهية ضد مجموعات بعينها من النساء من المحتمل أن تؤدي –وقد أدت بالفعل– إلى تعريضهن لاعتداءات جنسية، لا سيما الاغتصاب. وفيما تستهدف مثل هذه الخطابات مجموعات قبلية بأكملها، تشير التقارير إلى أنها تفعل ذلك عن طريق "تهديد نساء المجموعة القبلية واغتصابهن". وقد أشار تقرير "بيم ريبورتس" إلى الحوادث المرتبطة بالعنف الجنسي في حالات الحروب والنزاعات القبلية، والتي تُستهدف فيها أجساد النساء، عبر الاغتصاب، ضمن أدوات الحرب لاستهداف "شرف المجموعة القبلية كلها".
وفي هذا السياق، تروي إحدى ضحايا الاغتصاب من قِبل مليشيات الدعم السريع أن عناصر المليشيا اغتصبتها، هي وأخواتها الثلاث، أمام والدهن في منزلهم. وتضيف أن والدهن حاول الابتعاد عن مكان الاغتصاب لكي لا يراهن على تلك الحالة، ولكنهم كانوا يجبرونه في كل مرةٍ على مشاهدة بناته وهن يُغتصبن. وتحكي أن والدها أنهى حياته شنقًا بعد ثلاثة أيام من هذه الحادثة.
https://www.facebook.com/share/r/rKBmxtZyYFK2uAvR/?mibextid=oFDknk
تُظهر هذه الحادثة التي وجدت طريقها إلى الإعلام كيف يُستخدم الاغتصاب أداةَ حربٍ في السودان، بواسطة قوات الدعم السريع المسيطرة على مناطق واسعة من العاصمة الخرطوم والجزيرة ودارفور وأجزاء من سنار وكردفان.
وقالت مجموعة "معًا ضد الاغتصاب والعنف الجنسي"، في بيان، إنها رصدت نحو 451 حالة منذ بداية الحرب وحتى يونيو 2024. ومع أن هذا الرقم لا يُظهر الوضع الحقيقي للعنف الجنسي الواقع على النساء في السودان، لكنه مؤشر لما يواجه النساء من تعنيف. كما يواجه الصحفيون/ات وموثقو/ات انتهاكات حقوق الإنسان في السودان العديد من التحديات، من ضمنها صعوبة الوصول إلى الضحايا، في ظل عدم توفر الأمان.
الخطابات الكارهة للنساء تعزز التحيزات القانونية ضدهن:
إن تصاعد خطاب الكراهية ضد النساء لا يؤثر فقط في أوضاع النساء في المجتمعات، بزيادة معاناتهن، ولكنه يعزز أيضًا احتمال تحيز السلطات القانونية ضد النساء.
لقد سمعت العديد من القصص عن اتهام نساء سودانيات بالولاء لقوات الدعم السريع فقط بسبب انتماءاتهن الإثنية والمناطقية، وهو نتيجة لتصاعد الخطابات الكارهة للنساء والخطابات العرقية، تصاعدًا صارخًا، خلال حرب الخامس عشر من أبريل 2023.
قال بيان عن مبادرة "لا لقهر النساء" إن المبادرة رصدت العديد من حالات الاتهام بالتخابر، وسجن نساء بناءً على مثل هذه التهم، وفرض عقوبات عليهن، تشمل السجن لمدد طويلة، ووصلت إلى حد الإعدام في بعض الأحيان. وفي بيان بتاريخ 16 يوليو 2024، قالت المبادرة إن محكمة الاستئناف في الدامر بولاية نهر النيل شمالي السودان، برأت المتهمة "أ م"، بعد أن حكمت عليها المحكمة الابتدائية بعطبرة، بالإعدام، عقب إدانتها بالتعاون والتخابر مع مليشيات الدعم السريع.
والجدير بالذكر أن هذه الاتهامات والمحاكمات تجري تحت تعتيم إعلامي شديد. فيما أدى تجريف الأجسام المدنية، ولا سيما النسوية، جراء الحرب إلى صعوبة الوصول إلى مثل هذه القضايا ومناصرتها.
المراجع:
ما هو خطاب الكراهية ؟ | الأمم المتحدة (un.org)
https://sudalytica.beamreports.com/سوداليتيكا-يدرس-خطاب-الكراهية-والت/«سوداليتيكا» يدرس خطاب الكراهية والتحريض على وسائل التواصل الاجتماعي في ظل حرب السودان - Sudalytica (beamreports.com)
حرب السودان: هل يُستخدم العنف الجنسي ضد النساء سلاحا؟ - BBC News عربي
حملة "معًا ضد الاغتصاب... - معا ضد الاغتصاب والعنف الجنسي | Facebook
لا لقهر النساء - مبادرة "لا لقهر النساء" تصريح صحفي معًا... | Facebook
What Is Misogyny? (verywellmind.com)
لا توجد تعليقات